محمد بربر
محمد بربر


«حبيبة» قصة قصيرة للكاتب محمد بربر

صفوت ناصف

الثلاثاء، 11 يونيو 2024 - 04:15 م


ذات صباح بارد، الشوارع تضمّ كائنات صمّاء، كل الأشياء يمكن اعتبارها مجمّدة، القطط تختبئ أسفل سيارات تركها أصحابها بحثًا عن الدفء، صعد "آسر" بخطوات سريعة درجات السلم الرخامية، تأخر عن موعده مع "حبيبة"، وصل مكتبه وضع عطرا مميزا اشتراه أخيرا من مطار القاهرة، دق جرس الباب، استقبلها بترحاب وقور، أغلقه بعد أن لاحظ هدوءا تاما في العمارة التي تقع بها شركته.

شعرت حبيبة بتوتر، تلعثمت حين أغلق الباب لكنه طمأنها، قالت إنها جاءت إليه كي تساعده في تجاوز أزمة وفاة زوجته، كما ما أخبرها، فضلا عن مشاكله مع عدد من منافسيه، أخذت ترتب أوراقها، تحدثه عن أهمية غلق الصفحة وتذكرها بالخير، والدفع بالصدقات الجارية خير وأبقى، والانغماس في العمل إلى جانب زيارة مدن ساحلية أو السفر إلى خارج البلاد لأخذ قسط من الراحة..

أحس آسر برعشة تسري في جسده، رعشة البهجة والنشوى، يرتاح لحديثها ويفضله عن غيره من أحاديث الأقارب والأصدقاء، شكرها على وقتها بعد أن طلبت منه الاستئذان والمضي نحو مقر عملها.

جلس آسر على مكتبه يدون ملحوظات متفرقة، يرسم أشكالا بهلوانية، يخط الحرف الأول من اسمه بشكل بارز، وأمامه يرسم نصف قلب.

انتظرها طويلا حتى وافقت أو تفرغت، كان صباحا جميلا رغم برودته، ابتسمت حين وقف ينتظر وصولها على مدخل الشركة، تعلق بها وتمنى لو يصبح في يوم ما فارسها الذي تحلم به، أخذت في هذه المرة تحدثه عن حالها، وتطلب منه الاستمرار في منافسة زملائه، وكأنها شعر بالطمأنينة، قام من مجلسه وقف أمامها ثم انحني حتى باتت عيناها أمام عينيه، قبض على يدها وقبلهما قبلة حانية طويلة، وكأنه يعطي ما يحتاج، ما يشتاق إليه.

لم تتجاوب حبيبة، فضمها إلى صدره وراح يهمس في أذنيها "أنا معك، أحتاجك، ثقي في"، لكنها رجته أن يتركها، تخشى تكرار تجربة زواجها، تعرضت للضرب والتعذيب والتنكيل وقتل جنينها داخلها وكادت تموت، في خضم حديثها ضمها مرة أخرى وهو يضع إصبعه على فمها لتكف عن التفكير في الماضي، عانقها وتعالت الأنفاس، ثمة حضن دافئ تبحث عنه حبيبة، سألته في براءة "هتسيبني"، ابتسم وأخبرها أن قلبها منحة الله له، وأنها الهداية والهدية، وتساءل مبديا دهشته "ازاي اسيب اللي فتحت عنيا على الدنيا تاني، بعد ما كل حاجة راحت".

تعددت اللقاءات والعناقات، لكن قبل أيام شعرت بتوتر بينهما، تناولت الورقة التي كان قد تركها على مكتبه، سألته عن السبب أجابها أن أسرته ترغب في تزويجه من قريبة له، وأنه لا يعرف كيف يدير الأزمة، أقسم بحبها ثلاثا، عيناها كانت تكذب مشاعره، خشي عليها من المفاجأة لكنها ابتسمت في سخرية، لم تتمالك دموعها، صرخت في وجهه.. "هتجيني لما تزهق"، قبل أن تغادر مسرعة بخطوات تبدو فولاذية.

بعد أشهر قليلة، لم ينجح الزواج في منحه السعادة التي كانت حين يعانق حبيبة، ظل يفكر لأيام، قلبه يرجوه الوصول إليها، وعقله يخشى رفضها، حاول الاتصال بها مرات عديدة لكن في كل مرة يأتي الرد "هذا الرقم غير موجود بالخدمة".

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 
 
 
 
 

مشاركة